اتخذت الأمم المتحدة قراراها الأخلاقي والإنساني الهام بتاريخ 20 تشرين الأول عام 2010م وذلك بإعلانها الأسـبوع الأول مـن شـهر شـباط مـن كـل عـام أسـبوعا للوئـام العالمي بين الأديان، ليكون شاملاً لجميع الأديان والمذاهب والمعتقدات لدى مختلف المجتمعات؛ ومن المعلوم أن أسبوع الوئام العالمي بين الأديان كان اعتماده بناء على اقتراح قدم من جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله، في الأمم المتحدة بهدف تعزيز السلام ونبذ العنف، عن طريق نشر رسالة ومفاهيم وقيم التسامح والعيش المشترك، في مناخ يتسم ببعده عن الكراهية وآثارها المدمرة للمحبة والحياة، حيث قال جلالته في خطابه التاريخي بمناسبة الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة عام 2010م، ((… ومن الضروري أيضا مقاومة قوى الفرقة، التي تنشر سوء الفهم وعدم الثقة، خصوصا بين أتباع الديانات المختلفة، والحقيقة أن الروابط بين الشعوب لا تقتصر على المصالح المشتركة، بل هي مبنية أيضا على الوصايا المشتركة، التي تدعو إلى محبة الله ومحبة الجار…)).
إن الموروث العربي والإسلامي والثقافة الإنسانية للهاشميين جميعها جعلت من الحكمة واستشراف المستقبل رائدهم ونهجهم عبر تاريخهم ومسيرتهم الوطنية والقومية والإنسانية، فالخطاب الهاشمي على كافة الأصعدة وفي مختلف الظروف والمناخات المتأزمة والمتشابكة، يقوم على معادلة متزنة طرفيّها الثبات على الحرية والحقوق من جهة، والتطلع نحو السلام والاستقرار بوصفهما سبيلاً للتنمية من جهة أخرى، واستعراض سريع للمسيرة الهاشمية نستشعر أن قيم التسامح والوئام كانت المادة الأولية لجميع منطلقاتهم واستراتيجياتهم بدءاً من رسالة الإسلام السمحة التي حملها جدهم الأعظم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مروراً بنضالات جدهم المغفور له الشريف الحسين بن علي ومبادئ النهضة العربية الكبرى التي تجسدت في سياسة ودبلوماسية بنو هاشم الأخيار من بعده، فعلى خطاه جاءت منظومة الفعاليات الدبلوماسية الدولية لجلالة الملك عبد الله والتي أصبحت متوجة باتخاذها مقاييس ونماذج بل وفعاليات عالمية منها أسبوع الوئام العالمي، وبالتزامن معها جاءت رسالة عمان والأوراق النقاشية المتصلة بالحراك الديموقراطي كطريق للنهضة والتقدم، ومبادرات ملكية كثيرة تأتي في سياق نشر ثقافة السلام وتعزيز مفهوم المجتمعات الإنسانية المتكاتفة الملتزمة بالشرعية الدولية والأخلاق الإنسانية، وهنا يمكن للمتتبع للفكر الهاشمي ملاحظة جذور التسامح وثماره في كل ما يصدر عن الهاشميين من نظريات وممارسات وأقوال، فقبل أيام نشر صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال مقالاً بعنوان: “حرية التعبير المسؤولة واحترام الرموز الدينية”، ليبين سموه أن حرية التعبير بكل سقوفها ومستوياتها لا يجب أن تنساق بالإنسان نحو التعدي والتطاول على الرموز الدينية، فما هو في مجال حريتك حسب رأيك، قد يدخل أحيانا في الدائرة المقدسة للغير، لذا ينبغي عدم التطاول عليه واحترامه ترسيخاً للوئام والعيش المشترك، من هنا اطلق سموه نداء إنسانياً جامعاً، هو صندوق الزكاة العالمي، بغية تطهير النفوس ومساعدة المجتمعات على التنمية والتغلب على الفقر، إضافة إلى مقالات ومبادرات كثيرة لسموه لا يتسع المجال لذكرها تختص بالكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والحوار الحضاري.